الأحد، 26 أكتوبر 2008

هل تجمعنا الأيام؟! فاروق جويدة

قالت وأنا أودعها ذات مساء حزين: هل تجمعنا الأيام مرة أخرى؟
قلت: لولا الأمل ما تحملنا كآبة الحياة .. إنه الشمعة الوحيدة التي تضيء عيوننا حينما تظلم كل الأشياء..
كنت أعلم أن لقاءنا يبدو كسحابة بعيدة لن تتوقف مسيرتها، وأن قدرنا أن نجري وراءها نطاردها، نحاول أن نراها من بعيد، نسقط أحيانا.. ونقف أحيانا، ولكننا نعدو خلف هذه السحابة، نرى فيها كل الأشياء..نرى الحب فيها، ونرى العطاء والأمن والمأوى..



لم يكن باستطاعتنا أن نصعد إليها، وهي لن تهبط من مسارها البعيد..
قالت: ربما تنسيك الأيام أنني أحببتك يوما..زحمة الأشياء تنسينا أحيانا قيمتها.
قلت: يوما معك أبيع من أجله سنوات طويلة من عمري..الأيام ليست بأعدادها، الأيام بجمالها..
ماذا تساوي ملايين من الأوراق المالية المزورة..سوف تحرق وتلقى في صناديق القمامة، وما أكثر الأيام المزورة في حياتنا..إنها كثيرة !!



ما أكثر ساعات الزيف والدجل والنفاق..وما أقل ساعات الصدق !!
أجمل ما في الحب صدقه، إنني معك أعرف قيمة صدقي وأعرف أيضا كم يسرق الزيف أياما طويلة من عمري..
إنني سوف أذكرك دائما لأنني كثيرا ما أشتاق صدقي.
قالت: ولكنك شاعر..والمرأة عندك قصيدة..
قلت: ليست المرأة عندي قصيدة..إنها نقطة ضوء أجري خلفها كلما اشتد الظلام حولي..أجد فيها الأمن والمأوى.
والضوء ينير لنا أحيانا..ولكنه كثيرا ما يحرقنا..!!
والمرأة عندي ضوء وحريق..كثيرا ما تضيء لكي تحرق رغم أن الله خلقها لتكون ضوءا..لكن الزمن علمها أن تجمع الفراشات حولها وكثيرا تزهو بالضحايا.



ليست المرأة مجرد قصيدة عندي، وساعة مع امرأة أحبها أجمل عندي من كل ما كتب الشعراء..إنني أكتب الشعر لأنني عاشق وليس لأنني شاعر، فما أكثر الشعراء وما أقل العشاق .
أجمل ما في العشق الصدق، وأجمل ما في الصدق الشعر..إن الصدق يجعل منا شعراء، ولكن الشعر لا يخلق فينا الصدق.
قالت: المسافات بيننا بعيدة، كلانا غريب، وكلانا لا يعرف لنفسه أرضا أو زمانا..




قلت: الحب لا يعرف الأوطان، والشوق لا يعرف حدود الأشياء، سوف أشتاقك ولو فرقت بيننا بحار الدنيا، وسوف أحبك وأنا هنا..وأنت هناك.
سوف أراك بأشياء أعمق من عيني، وسوف أحسك بأشياء أصدق من حسي، سوف ألقاك وإن كنت بعيدة، وأسمعك وليس بيننا كلام، وأشم عطرك وإن كنت خارج حدود الأرض..!!
كان المساء حزينا .. وكان وجهها شاحبا
وكانت الشوارع الخالية تذكرني بساعات الوحدة التي تتلقفني من بعيد..
كان قلبي ينزف في داخلي .. والأماني تترنح في أعماقي
وكنت أسأل نفسي ولا أريد أن أسألها..
هل تجمعنا الأيام مرة أخرى؟!




وغاب السؤال في أعماقنا .. ومازلنا ننتظر.

الأربعاء، 15 أكتوبر 2008

دموع الكلمات --- فاروق جويده


جاءت تزورني بعد سنوات فراق طالت..اقتحمت صمتي،كسرت كل تلال الأيام التي وقفت بينها وبيني طوال هذه السنوات..
لم تسأل عني مرة واحدة،ولم أحاول أن اسأل عنها..ربما كبرياء رجل،ربما لأنني لا أريد اقتحام حياة اختارتها لنفسها مع رفيق غيري،ربما لأنني أردت أن أنهي الرواية حسب ما أحب أنا وليس على طريقة مخرجي الأفلام العربية..
كنت أريد أن أبقيها في نفسي،كنت أريد أن أجعلها شيئا في داخلي،كنت أريد أن تظل صورتها بكل ملامح الدفء والعطاء فيها.
إننا عادة نحاول أن ننسف كل الجسور مع أحبائنا قبل أن نتركهم،ولكنني كنت حريصا لا أدري لماذا أن أبقي كل شيء معها في داخلي.
وجاءت تزورني..تغيرت فيها بعض الأشياء..لم أحاول أن أسبح في ملامح وجهها..ولكنني توقفت عند منطقة آمنة أحببتها فيها "نظرت في عينيها"..كانت هناك دمعة مصلوبة..لا هي سقطت،ولا هي تراجعت..ظلت حائرة في عينيها وأنا أنظر نحوها.


قالت: كيف أحوالك؟
قلت: أعيش لأكتب..وجدت أن صداقة الكلمة تعوضني عن أشياء كثيرة لا أجدها مع الناس..
قالت: وما أخبار قلبك؟
قلت: يذكرك كثيرا..
قالت: متى..؟
قلت: في كل وقت أشعر فيه أنني وحدي..وأنا دائم الشعور بالوحدة.
قالت: جئت أودع معك عاما وأستقبل عاما..وأقول لك كل سنة وأنت أسعد..
قلت: كنت أريد أن أقول لك منذ يومين كل سنة وأنت طيبة،كان عيد ميلادك..
قالت: أمازلت تذكره..؟
قلت: لم أنس أشياء كثيرة معك،فكيف أنسى عيد ميلادك؟!،نسيت فقط جنونك القديم..
قالت: هل كنت مجنونة..؟
قلت: نعم..كنت مجنونة،وأنا أيضا كنت أكثر جنونا.
قالت: حقا..كنا مجانين يوم أن قررنا أن نفترق.
قلت: وكيف حالك بعدي..؟
قالت:
أصبحت أؤمن أننا نعيش أقدارنا..لا نعيش حسب ما نحب، إننا لا نختار شيئا،إننا فقط ننفذ خطة رسمت لنا وعلينا أن نقوم بها ولا نناقشها،مثل القطار لا يستطيع أن يمشي أبدا بلا قضبان.
إنني أحببتك..لا أدري كيف،وأعيش بعيدة عنك ولا أدري لماذا،ولا أعرف ماذا سيحدث غدا..لقد استرحت بعدك لأنني لم أعد أتساءل كثيرا..

قلت: وهل التساؤل جريمة!!..إنه أفضل شيء في الإنسان.
قالت: لقد حملتني معك إلى تساؤلات بلا إجابة..فاحترت أنت،وتمزقت أنا!!
قلت: لماذا لا تسألين عني..؟
قالت:
لا أنا حبيبة..وفشلت أن أصبح صديقة.
لهذا فضلت أن أبقى بعيدة..مازلت أشعر بألم شديد كلما سمعت أخبارك أو قرأت عنك..
حتى قصائدك أشعر بنزيفها في صدري،وكثيرا ما أتوقف ولا أستطيع أن أكمل القصيدة..

قلت: هل أراك قريبا..؟
قالت: ربما..لا أستطيع أن أعدك،شعرت بشوق جارف إليك كثيرا ما أشعر به..وضعفت اليوم فقط رغم أنني قاومته سنوات.
قلت: لن تصدقيني،ولن يصدقني أحد إذا قلت لك أنني كنت أفكر فيك في نفس اللحظة التي وجدتك فيها أمامي..
قالت: الحب الحقيقي لا يموت..يتوارى في داخلنا،يشعر بتجاهلنا له..ولكنه فجأة يصيح في داخلنا.
قلت: نسيت أن أطلب لك فنجانا من القهوة..
قالت: ربما نشربه معا بعد أعوام.
قلت: مازال فيك تفاؤلك القديم.
قالت: مازلت تقول أنك لن تعيش طويلا.
قلت: لم يعد يعنيني العمر..العمر ليس سنوات نعيشها،العمر أشياء تعيش في داخلنا لأن هناك أشياء لا نذكر منها شيئا..وأنا أعيش معك دائما..

ألم أقل لك يوما..

سوف ألقاك حياة
في زمان ميت الأنفاس..ممسوخ الرفات
سوف ألقاك عبيرا
بين يأس الناس عذب الأمنيات
دائما أنت بقلبي
رغم أن الأرض ماتت
رغم أن الحلم مات
ربما ألقاك يوما
في دموع الكلمات